إلى أي حد يعيش المغاربة في رفاه؟

أصدرت المندوبية السامية للتخطيط تقريرا مفاده أن ‪46% ‬ من المغاربة غير راضين عن حياتهم، و جاء هذا التقرير في ظل الحراك السياسي والاجتماعي الذي تعرفه معظم الدول العربية و بما فيها المغرب الذي شهد موجة من الاحتجاجات التي رفعت فيها العديد من المطالب السياسية و الاجتماعية بما فيها الكرامة و العدالة الاجتماعيةو المساواة.

ما هو العيش الكريم و حياة الرفاه

«العيش الكريم» أو «الحياة بكرامة» كمطلب فردي وجماهيري، وكجزرة تعد بها السلطة الشعب لجعله يطمئن إليها، ويؤمن بأن شؤون حياته بين أيدي أمينة، همها السهر على تحقيق الكرامة للإنسان، وتمكينه من شروط العيش الكريم والحياة بكرامة.
لقد اقترن ذكر « العيش الكريم» بالعديد من المواقف ، وصيغ كشعار أو نوايا للمسؤول على تسيير وتدبير شؤون جماعة أو جهة أو دولة ما. ثم تحول بفضل النضال إلى حق لا يجب تركه أو هضمه أو التغاضي عنه . فتحقيقه على أرض الواقع، مؤشر على صدق في الحكامة ، ونضج الديموقراطية في مكان ما على البسيطة. ولو رجعنا شيئا ما إلى الوراء، ونبشنا في أرضية التاريخ الإنساني لعثرنا على أكثر من دلالة لمفهوم « العيش الكريم» . فإنسان المغاور والكهوف مثلا ، كان «العيش الكريم» يمثل بالنسبة إليه: سمكة من واد أو بحر أو لحم حيوان بري مع رغيف حنطة ، فلحظات نوم وراحة. ثم تطور مفهوم « العيش الكريم» عبر الزمن ، وتمشيا مع تقدم الانسان ، من المزراع إلى الصانع ، إلى غاز للفضاء . وكل مرة يحصل فيها تطور أدوات الحياة ينعكس ذلك سلبا أو إيجابا على عيش الإنسان . وكلما حصل اكتشاف شيء جديد ، إلا وتجدد معه مفهوم الحياة، وطريقة عيش هذا الإنسان .

أمين و حياة الرفاه

أمين يعمل مدير عام أحد الفنادق بمدينة افران يبلغ من العمر 50 سنة، درس بالولايات المتحدة الأمركية شعبة التدبير و تسير المقاولات حيث قضى بأمريكا ما يقارب 15 سنة ‪ راكم خلالها تجارب مهمة ليقرر بعد ذالك العودة الى المغرب و استثمار أمواله، في المجال السياحي ‬ فاختار مدينة افران ليستقر بها، فوضع خطة عمل من أجل النجاح ليصبح فندقه من أحسن الفناذق بالمدينة .
أمين أب لشابين يدرسان بمدرسة تابعة للبعثة الأمريكية حيث تكلفه مصاريف الدراسة مبالغ خيالية.
يعيش أمين رفقة أسرته الصغيرة بأحد الفيلات الكبيرة بافران، يتوسطها مسبح أكبر من مسابح المركبات الرياضية.
يقول أمين أنه راكم ثروته من خلال جده و كده في العمل و بفضل خططه الذكية التي نهجها من أجل النجاح.

يامنة و الزمن الصعب

‪ تناضل ‬ يامنة من أجل العيش بكرامة عمرها لا يتجاوز ‪ أربعين سنة،لم تدق طعم الراحة و الفرح منذ إصابة زوجها بعاهة مستديمة تسببت له في الخروج من العمل، لتصبح يامنة المعيل الوحيد لأسرة تتكون من أربعة أطفال ‬.
تقطن يامنة «بيراكة»، متواجدة بحي الصفيح الكائن بدرب غلف بمدينة الداربيضاء. اعتادت يامنة الاستيقاظ باكرا على الساعة السادسة صباحا، لإعداد الحلوى لتسويقها بدرب غلف.
تجلس يامنة ذات الوجه الشاحب و المليئ بالتجاعيد رافعة رأسها إلى السماء طالبة من الله الرزق و الخير. جنت يامنة خلال نصف يومها مبلغ 10دراهم فقط لن يكفيها لتلبية حاجيات أطفالها . وبينما تمر يامنة بجانب البقال تحاول التوارى عن أنظاره كي لا يراها بعد أن عجزت عن تسديد الديون المتراكمة عليها.
تدخل يامنة البراكة و كل العيون متجهة صوبها عيون متسائلة عن حصيلة اليوم و عن ماذا سيأكلون لتجيب يامنة أطفالها بطريقة غير مباشرة «رجا فالله» .
فتذخل غرفتها محاولة الاسترخاء و النوم لعلها تخمد نار الحزن والألم بقلبها ،لكن قطرات المطر التي تسقط فوق رأسها تزيد من شعلة الحزن، لتستمر بذلك معانات يامنة مع كل قطرة مطر.

الفوارق الإجتماعية

ينتمي كل من أمين و يامنة إلى طبقتين مختلفتين فهما يجسدان الفوارق الطبقية التي تعرفها بلادنا مما قد يؤدي إلى انسداد أفق التنمية خاصة عند تدهور وضعية الطبقة الوسطى أو اختفائها مما يزيد من اتساع الهوة بين الفقراء و الأغنياء حيث تصبح فئة معينة تحتكر الثروة في حين الأغلبية يعيشون تحت عتبة الفقر مما يدل على عدم توزيع الثرواث بشكل عادل. و من أجل تقليص الفوارق الاجتماعية، أعلنت الحكومة عن مشروع قانون المالية لسنة 2013 والذي يتضمن مجموعة من المحاور التي تنص على تنمية الرأسمال البشري و تعزيز التماسك الاجتماعي و محاربة الفقر و إعادة تأهيل المدرسة الوطنية ومحاربة الأمية و تحسين الولوج إلى الصحة و التنمية الاجتماعية والاندماجية. وذلك عن طريق تخصيص مداخيل متنوعة لصندوق التماسك الاجتماعي ابتداءا من يناير المقبل ومساهمة تضامنية تؤديها الشركات التي تصل إلى أرباحها أكثر من 20 مليون درهم، و كل ذلك من أجل تحسين ظروف عيش المواطن المغربي الغير راضي عن حياته.

نصف المغاربة غير راضون عن حياتهم

و فيما يتعلق الأمر بحياة الرفاه و العيش الكريم صرح نصف المغاربة، حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط، أنهم راضون قليلا أو غير راضون على السكن، فيما يعتبر أزيد من الربع منهم أنهم راضون أو راضون جدا. ويعتبر الربع الآخر نفسه راض بشكل متوسط..
أما في ما يتعلق بالدخل، فإن مستوى عدم الرضى يناهز 64% في صفوف مجموع السكان و74% في صفوف السكان القرويين، في حين أن الذين يعتبرون أنفسهم راضين أو راضين جدا يمثلون بالكاد مغربي واحد من أصل 10 (8,5%).
وتجدر الإشارة إلى أنه من بين الأبعاد الاجتماعية للعيش الكريم، فإن أقل مستوى للرضى تم تسجيله في مجال الصحة، حيث لا تتعدى نسبة المغاربة الذين أبدوا رضاهم في هذا المجال 8% مقابل 72% عبروا عن عدم  رضاهم. وبخصوص التعليم، تتجاوز نسبة الأشخاص الغير راضين 55% مقابل 15% قالوا أنهم راضون أو راضون جدا.  في ما يخص الحياة الثقافية والترفيهية، فإن 7 مغاربة من كل 10 (68%) يعتبرون أنفسهم غير راضين عنها فيما 13% فقط اعتبروا أنفسهم راضين أو جد راضين.

لم نصل بعد إلى مجتمع الرفاه

حوار مع ذ. عبد اللطيف كيداي، أستاذ في علم اجتماع بجامعة الحسن الثاني بالرباط أكدال

ما هو مفهوم العيش الكريم  والرفاه؟

هناك إشكال في مفهوم العيش الكريم والرفاه. فببساطة العيش الكريم حسب تعريف الأمم المتحدة هو العيش في وضع مادي و معنوي مريح يمكن الفرد من تلبية حاجيات أسرته. فنحن في المغرب لم نصل بعد إلى مجتمع الرفاه، فهناك نسبة قليلة جدا تتوفر على دخل جيد إذ أن الكثير من المغاربة يعيشون حياة البؤس و الفقر.

ما رأيك في تقرير المندوبية السامية الأخير الذي يفيد أن 46 بالمائة من المغاربة غير راضون عن حياتهم ؟

أعتبر أن 46 بالمائة من المغاربة غير راضين عن حياتهم نسبة هي جيدة مقارنة مع الوضع الاقتصادي للبلاد فنسبة 46بالمائة تعكس لحد ما نوعا من عدم الرضا.

ما هي سلبيات الفوارق الاجتماعية ؟

الدولة اليوم تعتمد على الليبرالية المتوحشة نظرا للاستثمارات التي يصاحبها الاستغلال مما يؤدي إلى سوء توزيع الثرواة و انعدام العدالة الاجتماعية مما يخلق نوعا من التفاوتات الخطيرة التي تؤدي إلى التفكك الاجتماعي وبالتالي غياب مجتمع التضامن. ليسود الصراع الاجتماعي فيأخد منحى متعدد من الإحتجاجات و الحقد والعنف.

هل يمككنا القول أن المغاربة شعب قنوع وأن ذلك مرتبط بالدين ؟

نعم، فالجانب الديني يفرض نوعا من القناعة، و دائما ما تتردد كلمة الحمد لله
و الشكر الله على نعمه حتى لو كانت قليلة. مما يجعل الكثير يشعرون بالرفاه و الراحة رغم أنهم لم يصلوا الى درجة الرفاه.

في نظرك هل تستطيع الحكومة الحالية أن تضمن للمغاربة ظروف العيش الكريم ؟

الحكومة الحالية لا تملك المؤهلات والقرارات الجريئة لتمكين المغاربة من العيش الكريم. فالحكومة مجرد واجهة أمامية في حين حكومة الظل هي التي تتحكم في أمور البلاد.
فلأجل ضمان العيش الكريم لا بد من أن تكون لدينا حكومة قوية و جريئة.

المصدر: F.A

شارك هذه المقالة، اختر منصتك !