سواء كان العنف جسديا أو عقليا ولفظيا أو حتى جنسيا… فهو مرض مزمن ينشتر في المدارس المغربية رغم أن القانون يحظر جميع أشكال العقوبة الجسدية. وفيما يلي تحليل لهذه الظاهرة المتفشية.
في فبراير الماضي، سرقت الأضواء حالة عنف مدرسي تجاه طفل في المدرسة الابتدائية النصر، في جماعة مريرت قرب خنيفرة، إذ تعرض طفل يبلغ من العمر 7 سنوات للضرب على يد معلمته بآلة حادة تسببت في ندبة طولها حوالي عشرون سنتيمترا. وقد انتشرت صورة الصبي بوجهه المشوه به 22 غرزة طيلة عدة أيام على شبكة الإنترنت، لتحيلنا على الرعب اليومي الذي يعيشه الأطفال المعتدى عليهم في المدارس. بالفعل، ورغم أن العقاب الجسدي محظور منذ بضع سنوات في مؤسساتنا، فهذا لا يعني أن العنف قد اختفى.
وتذكّر العديد من دوريات وزارة التربية والتعليم بأن «لجوء المدرس للعنف هو انتهاك جسيم لحقوق الطفل …»، وبأن المعلم الذي يستخدمه يكون عرضة لعقوبات متعددة (المجلس التأديبي، والتوقيف، والعقوبات الجنائية، وغيرها). وفي حالة التلميذ من مريرت، ورغم الاحتجاج الذي أثارته قسوة العقوبة والعلة التي سيحملها الطفل عنها طيلة حياته، أصدرت المحكمة الابتدائية بخنيفرة يوم 8 مارس حكمها بتبرئة المعلمة.
أسلوب القسوة هو المعيار
منذ العقد الأول من سنة 2000، بينت العديد من حالات العنف ضد الأطفال في المدارس الابتدائية المغربية بأن التلاميذ عرضة لأعمال وحشية شديدة. ونتذكر بهذا الصدد حالة التلميذ بمدرسة مولاي رشيد في الدار البيضاء، الذي ألقته المعلمة من نافذة الطابق الأول، وبررت إدارة المدرسة هذا السلوك بالاضطرابات النفسية للمعلمة التي تم الاستغناء عن خدماتها.
ولكن إذا كانت وسائل الإعلام قد رصدت بعض الحالات، فالمئات منها لا أحد يتحدث عنه لأن الأطفال في كثير من الأحيان لا يبوحون بالأمر، إذ يعتبرون أنه من الطبيعي أن يتعرضوا للضرب بسبب سوء التصرف أو عدم حفظ الدرس أو غيره. وعندما يُخبَر الآباء بهذا العنف الجسدي، نادرا ما يتوجه أحدهم للاحتجاج معتبرا أنه من الطبيعي أن يلجأ المعلم لأسلوب القسوة. إضافة إلى أنه غالبا ما تشارك الأعراف والأمثال المترسخة (العقاب أفضل وسيلة للتعلم) في تكريس هذه العادات السيئة في الأذهان. وبالتالي، لم يسجل مركز حقوق الناس (الكائن مقره بفاس) إلا 854 حالة. وقد توصل إلى هذا الرقم بناء على الشكايات المودعة لدى المركز من لدن الآباء وجمعيات أولياء التلاميذ. وتحتكر الدار البيضاء أكبر نسبة من العنف حيث تم تسجيل 444 حالات، تليها الشاوية ورديغة بـ420 حالة، وفي المرتبة الأخيرة الرباط سلا زمور ازعير بـ120 حالة.
الضرب والتعنيف من أجل التربية
يكون العنف ضد الأطفال جسديا في المقام الأول (600 حالة)، وقد يكون أيضا جنسيا، لأن مركز حقوق الناس سجل 51 حالة منها. كما يوجد نوع آخر من العنف وهو النفسي الذي يتفشى بشكل مخيف في المدارس المغربية إذ سجل المركز منه 203 حالة. لكن هذا لا يعني أن الأمر ينحصر عند هذا الحد، لأن الإزعاج والشتائم والاحتقار والإذلال تدخل ضمن الإساءة اللفظية التي ترافق التلميذ طوال فترة تمدرسه. كما تنتشر عقوبات أخرى مثل ارتداء قبعة الغبي، والمواقف المحرجة (الوقوف على قدم واحدة في زاوية القسم ووجهه للحائط) والأعمال المرهقة في القسم أو في ساحة المدرسة، أو الحرمان (تخفيض المعدل، والمنع من الخروج في الاستراحة، والحرمان من التعبير).
إن ضرب الطفل هو إذن جزء لا يتجزأ من العقلية المغربية ولو أن القانون يحظره. فالصفع والضرب بمسطرة من الحديد أو الأنبوب أو العصا والركلات واللكمات والفلقة وغيرها كابوس يعيشه العديد من التلاميذ. ويعتبر العديد من المعلمين أن هذه العقوبات لها قيمة تربوية وليس عقابية، لأن «الأطفال ينبغي أن يخافوا منهم حتى يتعلموا بشكل أفضل»، حسب تصريح وزارة التربية والتعليم في تقرير بعنوان «الاستراتيجية المتكاملة للوقاية من العنف ضد أطفال المدارس ومحاربته». وفي نفس التقرير، «يشير المعلمون إلى أن العنف يساعد على احترام المدرسة، وتنمية خوف ضروري، وعلى إنجاز الواجبات المنزلية … وبالنسبة للآباء والأطفال، يمثل استخدام العقاب الجسدي وسيلة أساسية لتربية الأطفال (50٪ بالنسبة للأطفال، و52٪ بالنسبة للآباء). كما أن الأطفال واثقون من شرعية العقاب الجسدي في المدرسة، وقد استسلموا بالتالي لفكرة أن الضرب ضروري «للتربية الجيدة والتعلم».
المدرسة «صديقة الطفل»
تقترح اليونيسيف من جهتها 37 توصية لجعل المدرسة صديقة للطفل، نذكر منها تنقيح الكتب المدرسية لتسليط الضوء على قيم التسامح، والتطبيق الصارم للقواعد القانونية فيما يخص العقاب، وإقامة نقاش عند بداية كل موسم دراسي عن حقوق وواجبات كل طرف، وإنشاء الانضباط الذاتي في القسم ومنع الواجبات المنزلية قبل سن العاشرة … إنه برنامج طموح لم يجد طريقه بعد إلى التنفيذ لأن العنف لم يختف بعد من المدرسة.
أرقام مثيرة للقلق
صرح 87٪ من الأطفال الذين شملتهم الدراسة أنهم تعرضوا للضرب في المدرسة؛
صرح 60٪ من الأطفال بأنهم تعرضوا للضرب بأنبوب، أو بمسطرة أو عصى و57٪ من الأطفال رأوا رفاقهم يضربون بهذه الأدوات ؛
44٪ منهم تعرضوا للضرب باليدين أو الرجلين، و55٪ منهم رأوا رفاقهم يضربون بهذه الطريقة؛
تلقى 39٪ منهم عقوبات كتابية، و47٪ منهم رأوا رفاقهم يتعرضون لهذه العقوبة.
أجبر 39٪ منهم على القيام بأعمال شاقة لفائدة المدرسين و36٪ منهم رأوا رفاقهم يجبرون على نفس الأمر؛
تعرض 35٪ من الأطفال للاعتداء اللفظي و44٪ منهم سمعوا رفاقهم يتعرضون له؛
يفضل 65٪ من الأطفال كتمان العقوبة الجسدية التي يعانون منها، وهكذا يساهم الخوف من الكبار ومشاركتهم، في تشكيل جدار صمت حول العنف المدرسي.المصدر: دراسة المدرسة العليا لعلم النفس واليونيسيف
المصدر: F.A