في الوقت الذي ما يزال البعض يتباهى بتربية أطفاله بطريقة قاسية، يتزايد عدد الآباء الذين يدركون بأن ضرب الطفل لا يجدي في تربيته. فبدل الاستسلام للنزعة العدوانية الشخصية، ربما من الأُفضل إنشاء قاعدة تربوية متينة.
لكن رغم هذا الوعي، ما يزال اللجوء إلى الضرب على المؤخرة وغيره من العقوبات، قائما. وغالبا ما يكون اضطرارا، لأن استعمال العنف يعكس في الحقيقة عدم قدرة الوالدين على تدبير المشكل مع الطفل. فعندما لا نستطيع التعامل مع أهواء أطفالنا ومتطلباتهم، يصبح الضرب الوسيلة المثلى لوضع حد للصراخ. ويتفق الخبراء على أن معاقبة الطفل جسديا لا تحدث أي أثر إيجابي. بل على العكس، يمكن لمثل هذا السلوك أن يؤدي إلى تصعيد قساوة الضرب إضافة إلى التشجيع على العصيان، إذ أن النقاش بالأيدي يعوّد الطفل على التواصل في جو عنيف. وهكذا، نجد أنفسنا في إنتاج سلبي بالكامل، يزداد سوءا في حلقة مفرغة حيث يعاني الجميع من عدم القدرة على التواصل بهدوء.
آباء حائرون كأطفالهم
لكن كيف وجد هذا الجو المتوتر طريقه إلى أسرة متحابة؟ أسرة تعتقد بأنها تبذل قصارى جهدها من أجل طفلها؟ نخلص إذن إلى أن الضرب أو الصفع سببه أن الآباء يفقدون السيطرة على الوضع. فبين أن يصبح «الأب البعبع» وأن يكون صديق طفله، يغفل الآباء عن دورهم الأساسي : المربي. فعندما لا يضع الوالدان حدودا مع طفلهما منذ البداية، بطريقة حازمة ومُطَمئِنة، يخلقان حالات حيث يصبح الطفل الرائد الوحيد.
ففي الوقت الذي يحاول الطفل بكل وسيلة ليقول لوالديه «ضعا لي حدودا»، لا يرى الكبار في تصرفه إلى النزوة وصراع القوى. وبمجرد بلوغ الحد الأقصى، يستسلم الأب لاندفاعه مستشيطا من الغضب. ويؤدي هذا النوع من رد الفعل التلقائي، فورا وفي أغلبية الحالات، إلى الشعور بالذنب.
إن التحدث والاستماع والاضطلاع بدور الأب المطمئن والواثق من نفسه سيسمح للطفل بأن يدرك حدوده. ويكتسي تخصيص الوقت للعب مع الطفل أهمية جمة كذلك لأن اللعب مخرج حقيقي ومكون للشخصية، يسمح للطفل ببناء علاقة ثقة مع أبويه ولو كان العمل يأخذ الكثير من وقتهما.
الأم والأب، لكل دوره الخاص
وكما تشير الطبيبة والمعالجة النفسانية لبابة بلمجدوب «ليست المدة التي يقضيها الآباء مع الطفل هي من تساعده على بناء شخصيته بطمأنينة، وينمو دون اضطرابات أو مشاكل، وإنما جودة العلاقة مع كل من الأبوين كل حسب دوره». وتضيف : « تقدم الأم الرعاية بحب وبتجربتها الخاص، وينبغي أن يدعمها زوجها ويقدرها. فالتواصل بين الزوجين والانسجام في التربية جوهريان ويمهدان للأساس الأمثل للسلطة الأبوية. كما أن الأب يعزز تنشئة الطفل الاجتماعية وانفتاحه على العالم وقيمه العقائدية. ويمكن أن تمثل جودة حضوره وتواصله وقاية حقيقية للطفل».
ويجدر التذكير بأنه لا وجود للحتمية وبأنه من الممكن تعلم التواصل مع الطفل بأسلوب مختلف. فرغم تعدد الإخفاقات، يمكن أن نكون صريحين لنعترف بأننا أخطأنا في الأسلوب، وبالتالي نعيد النظر في العدوانية حتى نتخلص منها.
اذهب لغرفتك!
إذا كان العنف لا يحل المشكل، فهو يزيده سوءا، رغم أنه لا بد من معاقبة الطفل عندما يخطئ. وتتمثل العقوبة الأنسب والأكثر نجاحا في عزله لعشر دقائق في غرفته وحيدا. فيساهم هذا العقاب في تحديد المسافة المادية مع الوالد أو بقية المجموعة من جهة، وحتى يخلو الطفل مع نفسه لتشجيعه على إدراك سلوكه، من جهة أخرى. ولا يتعلق الأمر بسجنه في غرفته، ولكن ليتعلم بأنه بمجرد تجاوزه للحدود، فلا أحد يريد أن يراه وبأن الأفضل للجميع، وله بالأساس، أن يهدأ منعزلا في زاويته. ويتعين أيضا أن نشرح للطفل لماذا تلقى العقوبة، وذلك دون تقديم تبريرات لا جدوى منها. فعندما يلاحظ الطفل بأنك لا تملك تفسيرا مقنعا، فسيحاول بجميع الوسائل أن يقول «نعم ولكن…». احرص على أن تكون موجزا ومختصرا، أخبره بأن العقوبة التي تلقاها مشروعة وغير قابلة للنقاش.
المصدر: F.A