لطالما كانت علاقات الجوار جزءا من حياة المجتمعات، في القرى لم تكن هناك حواجز تفصل بين الملكيات وأبوابها مفتوحة للجميع، أما المدن القديمة فكانت هندستها وتصميمها يسمحان للجيران بالتواصل بسهولة مع بعضهم البعض. كان سطح المنزل مكانا لتبادل بين الجارات، يتبادلن وصفات الطبخ، الأخبار … و”التدويقة” “عندما كنا تهيئن طبقا شهيا، حلويات أو الزيتون. كان التضامن يطبع العلاقة مع الجيران.
تصميم المدن لم يكن يفرق بين الساكنة، في نفس الحي يعيش الأغنياء والفقراء
واجهات المنازل كانت متشابهة بحيث لا تظهر المستوى السوسيواقتصادي لقاطنيها. التباهي كان عبارة عن ذنب أو قلة حياء. الجيران كانوا يتكفلون بالعائلات المحتاجة في الحي “إذا فقدت امرأة زوجها، كنا نهتم بها وبأولادها، فهذا واجب ديني”.
الرجال هم أيضا كانت لهم علاقاتهم التي تجمع بينهم، يذهبون للمسجد والسوق معا، يتشاورون فيما بينهم لأخذ القرارات الكبرى، يتقاسمون الهوايات ويدعون بعضهم البعض كلما سمحت الفرصة لكأس من الشاي أو وجبة.
كيف أصبحت علاقات الجيران اليوم؟
التضامن لازال قائما بالبوادي في المراسيم والحفلات. أما في المدن، فلازالت هذه العادات بالأحياء الشعبية القديمة ذات الكثافة السكانية الكبرى. في هذه الأحياء تعيش عائلات منذ عدة أجيال، تجمع بينها روابط قوية. الأحياء الراقية تتميز بالمساحات الكبيرة للمنازل التي تفرق بين الجيران. أما في الأحياء الجديدة ومناطق العمارات فمفهوم الجوار يعتمد على “التيقار” “حافظ على مسافتك وأحافظ على مسافتي”. الجوار فقد معناه في الفيلات والعمارات حيث لا يتبادل الجيران الحديث إلا قليلا ويمرون دون إلقاء التحية على جيرانهم “أعيش في نفس الحي لأزيد من عشر سنوات ولا أكاد أتعرف على جيراني”. هذا يحصل بالخصوص في المدن الكبرى حيث تتزايد الذاتية والفردانية.
هل هو خيار أم ضرورة فرضتها أنماط الحياة الجديدة؟
غالبا ما يلقى باللوم على ضيق الوقت. والعامل المهم في هذه التغيرات هو خروج النساء للعمل والمسؤوليات الجديدة التي يتحملونها خارج منازلهن حتى ولو كن غير عاملات. تعود المرأة من عملها فتسرع إلى بيتها لترتاح قليلا قبل أن تبدأ في أعمال البيت والاهتمام بأبنائها. منذ القديم المحافظة على علاقات الجوار كان يعهد بها النساء، أما بعد خروجهن لميدان العمل، أصبح الوقت لا يكفيهن حتى لزيارة الوالدين والإخوة والأخوات. أما ربات البيوت فإن الأشغال المنزلية، اصطحاب الأطفال للمدارس والاهتمام بدراستهم… كلها أعباء تخلص منها الرجال لتصبح مسؤولية النساء وحدهن. من جهة أخرى أصبح النساء يخترن صديقاتهن والقليل من الوقت الذي يتوفرن عليه يفصلن قضاءه بصحبتهن.
هل نعيش الآن في عالم بدأ يفقد مبادئه أم نحن بصدد وضع مبادئ جديدة؟
كثيرة هي الأحاديث التي تؤكد على التضامن والاحترام قال رسول الله (ص)» ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم” يجب الإشارة إلى أن أحاديث الرسول لم تكن تفرق بين الجار المسلم والجار غير المسلم.
للأسف، في المغرب الحديث تفككت العلاقات الاجتماعية، وأصبحت تتميز باللامبالاة وقلة الاحترام بين الجيران. لا وجود للتعايش في العمارات السكنية أما الملكية المشتركة فلا تحتمل: مشاكل، نزاعات، وقلة احترام بين السكان.
المصدر: ل.ف