ما الذي يجعل طفلي يكذب؟

يبدأ الطفل في الكذب من الثانية أو الثالثة من العمر. ويمكن تفسير هذا التصرف بأسباب مختلفة، تبعا للعمر وتطور الطفل. لكن بين الأكاذيب الزائفة وتلك النمطية، يجب أن يتعلم الآباء التمييز وينبغي عليهم خصوصا التدخل لتصحيح الخطأ التربوي. وفي ما يلي تفسيرات المتخصصين.

يقول المثل «الحقيقة تأتي من أفواه الأطفال»، إلا أن إلهام ليست مقتنعة بهذا المثل، فابنها كميل، 7 سنوات، يكذب مرارا وتكرارا. ولم تذخر جهدا في أن تفسر له أن الكذب غير محمود، إلا أن كميل يصر على تصرفه. ويعتبر المتخصصون في الأطفال هذه المرحلة طبيعية في سيرورة نمو الطفل.
ويبدأ البروفيسور حسن كسرى حديثه قائلا «من الطبيعي أن يكذب الطفل»، وهو طبيب نفسي ومعالج نفسي، وأستاذ الطب النفسي ورئيس وحدة الطب النفسي الخاص بالطفل والمراهق بمستشفى الرازي بسلا. فمن خلال هذه العملية يعبر الطفل عن تفرده ويبني طريقة تفكيره. وعن طريق الكذب، يغير واقعا غير مقبول أو يختبر والديه أو الحدود التي لا ينبغي تجاوزها …
لكن إذا كان الطفل منذ البداية يعاني في ذهنه من خلط بين ما هو حقيقي وما هو خيالي مما يحمله على تغيير الحقيقة أو سرد روايات مختلقة، سيبدأ تدريجيا في التمييز بين الصواب والخطأ، وقياس أثر ما يختلقه وما يغفله على مخاطبه.
«إن موارد الخيال وفيرة، والأكاذيب الزائفة الممتعة لا تُنسى رغم أنه يمكن التحكم فيها، فيقوم الطفل بتقليد أقرانه والكبار: فيكذب، وقد يكون أحيانا مجبرا على الكذب ؛ فضرورات الحياة المشتركة مع التنازلات تجعل «الحقيقة لا تخرج من أفواه الأطفال»، حسبما تصرح به الطبيبة أمينة بوضربة بولعسري، طبيبة نفسانية ومحلل نفسية بالرباط.

الأكاذيب الزائفة

ينبغي التذكير مع ذلك بأن الطفل يمكنه أن يكذب أو يغير الحقيقة في سن مبكرة جدا. فمثلا منذ 3 سنوات، يمكن للطفل ألا يقول الحقيقة ولا يدرك بأنه يكذب؛ وهذا ما يسمى بالكذب الزائف. وبالتالي، فعندما يكذب الطفل على والديه بشأن درجته في القسم فلا يعتبره سيئا إذا لم يكتشف والداه وجود تزوير للحقيقة. ولجوؤه إلى الكذب لتجنب التوبيخ أو لرفع قيمته بين رفاقه لا يثير لديه أي إحساس بالذنب.
ويبدأ الطفل ما بين 6 و7 سنوات في إدراك قيمة الكذب. «ابتداء من «سن العقل» يحتفظ الكذب بتردد كبير. فيشعر الآباء بالقلق الذي يكون أحيانا مبررا. «إن التعود على الكذب في هذه الفئة العمرية (من 6 سنوات إلى سن المراهقة) هو عرض يتطلب دائما دراسة وافية ؛ ينبغي أن ننظر إليه غالبا على أنه إشارة تحذير للتعبير عن رفض الواقع، والألم العاطفي، ونقص أو خلل في تطور الشخصية»، حسب رأي الطبيبة أمينة بوضربة بولعسري. ومع ذلك، يمكن لبقايا التفكير الخيالي الذي ترسخ في الطفل في سنواته الأولى أن تظل إلى ما بعد سبع سنوات، مما يدفع الطفل للكذب دون أن يعير اهتماما لعواقب تصرفاته على مخاطبه.

إعطاء القدوة الحسنة

لن ننفك عن القول بأن الأبوين هما قدوة الطفل وسيعكس سلوكه انطلاقا من سلوكهما. فإذا كان الوالدان يكذبان أو يحرفان الحقيقة أو لا ينفذان ما يقولانه، فإن الطفل يفعل الشيء نفسه. وتضيف الطبيبة أمينة بوضربة بولعسري «لا ينبغي أن يعطي الآباء مثالا عن الكذب في التربية، يجب أن يقدموا بكل حب وجه الحقيقة في إطار تربوي ملائم». كما يركز البروفيسور كسرى أنه «يجب عليهما أن يقدما القدوة الحسنة وأن تكون أقوالهما وأفعالهما متسقة. لا ينبغي أن تكون مساحة للكذب بين الأطفال والآباء». لكن ما يحدث أحيانا وللأسف هو أن الآباء أنفسهم يجبرون الطفل على الكذب أو الحصول على مشاركته في بعض حالات الكذب.
وتنصح الطبيبة بوضربة بولعسري الآباء بعدم تشجيع الطفل على الكذب، ولكن بمساعدته على التطور بكل استقلالية وثقة واحترام للنفس. «ينبغي على الآباء مساعدة الطفل على عدم الكذب لأنه ينقص من احترام الذات لدى الطفل. ولا ينبغي أبدا السماح له بالدخول في هذه الحلقة المفرغة التي ستؤثر على تطور شخصيته ويساهم في اضطرابها»، حسبما يضيفه البروفسور كسرى.

إصلاح الخطأ

ولو تعددت الأسباب التي تجعل الطفل يكذب (الخوف من العقاب، الخزي، الغيرة، إلخ.)، فإن سلوك الآباء يظل عنصرا بالغ الأهمية. فعندما نقول لطفل يكذب : «أنت غير مهذب، أنت كاذب» فهي إدانة لا تمحى من ذاكرته. ويضيف البروفيسور كسرى : «لا ينبغي أن نثقل الطفل الذي يكذب بمواعظ أخلاقية، لأن لديه مسبقا صورة سيئة جدا عن نفسه. يجب أن يتحلى الوالدان بالصرامة وأن يخبراه بأنهما إلى جانبه لمساعدة على نمو سليم. من المهم أن تكون الثقة متبادلة بينهما». لا ينبغي إذلال الطفل وخصوصا لا ينبغي التردد في توبيخه إذا كانت الكذبة خطيرة حتى لا يعيد الكرة ولمساعدته على التربية الجيدة.
وسيصبح قول الحقيقة بعد ذلك وسيلة للتعلم في جميع الأوقات. إن فهم السبب الذي يجعل الطفل يكذب من أجل تصحيح الخطأ التربوي سيساعد الطفل نفسه على الخروج من هذه الحلقة المفرغة. لكن إذا أصبح الكذب نمطيا في حياته ويأخذ أبعادا مثيرة للقلق، وإذا كان الطفل نفسه يعيش في هذا العالم غير الواقعي، حينئذ يصبح التدخل ضرورة. ويؤكد البروفيسور حسن كسرى : «عندما يأخذ كذب الطفل أبعادا كبيرة دون أن يكون له تفسير، وخاصة عندما يتم الجمع بين الكذب وسلوكيات أخرى مثل العنف والسرقة والغش، فمن الضروري طلب مشورة طبيب نفسي أو معالج نفساني لتوضيح الوضع، والتعرف على المشكلة لحلها».

نصائح الطبيبة أمينة بوضربة بولعسري

«يتطلب الكشف عن الكذب بعض التوضيحات : ينبغي أن تتم التربية في مناخ من الثقة المتبادلة. وينبغي أيضا البرهنة على وجود الكذب كلما وقع الشك فيه، فقد يكون مضرا جدا الوقوع في خطأ الشك النمطي.
من المهم أن نفهم السبب الذي يجعل الطفل يكذب: إنها الخطوة الأولى للاعتراف بالخطأ التربوي الذي نتج عنه الكذب». الطفل الذي يكذب يكون إما غير راض عن الواقع الخارجي أو غير راض عن نفسه.»

المصدر: F.A

شارك هذه المقالة، اختر منصتك !