الاسرة المغربية بين الأمس واليوم

بين الامس واليوم لايظل حال على حاله، تأتي أشياء وتروح أشياء، نكتسب أشياء ونفقد اشياء… لكن، هل الأسرة المغربية هي أيضا تغيرت ما بين الأمس واليوم؟.. أم انها استطاعت ان تحافظ على قيمها ومعانيها؟، هل تغير مفهوم الأسرة بين الامس واليوم؟.. هل حالها بالأمس أفضل من اليوم؟ أم انها أفضل حالا من الأمس؟ هل استطاعت الأسرة المغربية ان تحافظ على تماسكها ووحدتها ام ان متطلبات اليوم افقدتها بعضا من قدسيتها؟ هل الأسرة المغربية قوية ومتينة بما يكفي لمجابهة ما يفرضه اليوم أم أنها تنازلت عن صمودها وثباتها وتغيرت؟… الأسئلة كثيرة وكثيرة، سنحاول أن نجيب عنها من خلال الروبورتاج التالي…

أمّي نجمة، سيدة في الستينات من عمرها، تسكن بضواحي الجديدة، هي مسؤولة عن بيت يضم ابنها الوحيد وزوجته التي هي في نفس الوقت بنت اختها، واحفادها وحفيداتها، عبرت لنا بلهجتها العفوية بأن الاسرة المغربية ومفهومها لم يتغير على الاقل بمنطقتها، مضيفة: «تزوجت صغيرة بزاف، ومن داك الوقت وانا عايشة مع عدوزتي وشيخي وراجلي في هذا البيت وظليت محتارمة عدوزتي وشيخي حتى دّاهم الله، ونفس الطريقة الي كنت عايشة بيها مع ناسي هي لي عايشة بيها معايا عروستي ووليداتي».
بالنسبة لأمّي نجمة التي لازالت ترعى شقيقة زوجها الطاعنة في السن والتي فقدت بصرها وقدرتها على المشي، فالأسرة المغربية أعتى من الزمن، وأقوى من أن تتأثر برياح اليوم ومتغيراته، وأكدت بانها ظلّت بارّة بحماتها حتى آخر يوم في حياتها، لانها تعي تماما انه سيأتي اليوم الذي ستصبح فيه حماة عجوزا وعليها ان تعامل حماتها كما تحب هي ان تعاملها زوجة ابنها.. «كلشي سلف ودين».

أما السيد احماد الذي يسكن بنواحي أكادير، أكد على أن الأسرة المغربية هي أفضل حال الآن، خصوصا مع تغير الاوضاع الاقتصادية وهجرة ابنائه الثلاث الى مدينة الدار البيضاء طلبا للقمة العيش، يضيف السيد احماد الذي يعيش مع أمه العجوز واختها التوءم وزوجته وأبنائه وأحفاده : «نحمد الله على نعمه، اليوم نحن افضل حالا من الامس، كبر أبنائي وذهبوا للعمل لمساعدتي على اعالة الاسرة، في السابق كنت انا المعيل الوحيد للأسرة وكنت أشتغل ليلا ونهارا لاوفر اللقمة لابنائي وامي وخالتي، لكن الان وبفضل الله لا افارق المسجد وابنائي يرسلون لي كل اسبوع النقود لاعيل الاسرة، ولو لم يكن هذا الترابط الاسري لما تذكر ابنائي الاسرة ولمضى كل واحد في حال سبيله، ولكننا مترابطون ومتماسكون، ولا يمر عيد او مناسبة الا وياتي ابنائي من المدينة ونجتمع والحمد لله.. ربي يديمها نعمة ويحفظها من الزوال».

السيدة فاطنة، سيدة طاعنة في السن، تسكن لوحدها، تقول بأن الزمن غيّر كل شيء، حتى الاسرة، فالابناء تزوجوا ورحلوا، وكذلك البنات تزوجن وذهبن الى بيت ازواجهن، وبقيت هي لوحدها مع زوجها الى أن وافته المنية وبقيت وحيدة، لا يتذكرها ابنائها الا نادرا، ولولا بنات الجيران لما استطاعت ان تعيش لانها لاتقوى على شغل البيت ولا تقوى حتى على اعداد الطعام، حكت لنا والدموع تنهمر على وجنتين سطّر الزمن ههومه ومتاعبه عليهما، «طيّحت صحتي على تربية الأولاد والبنات، وصبرت معهم حتى يكبروا، وملي كبروا.. الاولاد دّاوهم العيالات والبنات دّاوهم الرجال، وبقيت بوحدي لا حنين ولا رحيم سوى رب العالمين، بكري ملي تزوجت جيت، لقيت الدار عامرة وصبرت معهم حتى تفرقنا بالخير، ولكن دابة الوقت تبدلات، وإلى خطاتك صحتك ما يعرفك لا ولد ولا بنت..هذا زمان راسي يا راسي».

كريم، هو شاب في الثلاثينات من عمره، متزوج ولديه ولدان، يعيش بعيدا عن بيت الأسرة، عبر عن اشمئزازه من الأشخاص الذين لا يقدرون الأسرة ولايهتمون بالوالدين.
نحن في المغرب، تربينا على جو الأسرة وجو الحضن الدافئ، فلا يعقل ان نتنكّر لوالدينا بمجرد أن بلغا الكبر ولم يعودا قادرين على اعالتنا. صحيح أنني أعيش بعيدا عن بيت الأسرة، إلا أنني دائم السؤال عن والدي والاهتمام بهما فهذا أقل ما يمكن أن أقدمه لهما وربي يحفظهم ويطول في عمرهم».

في مجتمع متغير وبه حراك كبير كما هو حال المجتمع المغربي، فهناك من يرى بأن جيل الكبار لا يستطيع توجيه الأبناء وتزويدهم بالنصح والشرح المتقن للوضعية، فيجدون أنفسهم كالعصفور الذي يدفع خارج العش، خصوصا في ظل التطورات العلمية والتكنولوجية، يجد الآباء أنفسهم عاجزين عن مجاراة أبنائهم فيتولد بعض الشرخ الذي يمكن أن يصنع هوة بين أفراد الأسرة وبالتالي يمكن أن يؤثر ذلك على مفهومها وعلى تماسكها وتواددها.
تظل الأسرة المغربية عنوانا للانتماء والأمان في نظر البعض، وعنصرا ضروريا لضبط عملية التوازن المجتمعي في نظر البعض الآخر، فهل هذا يكفي للحفاظ على تماسك وترابط أفراد المجتمع ككل؟….

الأسرة المغربية اليوم هي أفضل بكثير من الأمس

قال الدكتور هراس، عالم الاجتماع بأن التحولات الاقتصادية والتطورات التكنولوجية أثرت بشكل كبير على مفهوم الأسرة المغربية، إلا أن الهوية المغربية وروح الإسلام ساعدت على الحفاظ على هوية الأسرة ومساعدتها على الاستمرار ولعب دورها الفعال والداعم لكل أفرادها.. فماهي أهم المتغيرات التي طرأت على الأسرة المغربية؟ وهل لازالت محافظة على قيم التضامن والتكافل؟ وهل حال الأسرة المغربية اليوم هو أفضل من الأمس … كل هذه الجوانب وغيرها ناقشناها مع الدكتور … الهراس.. فكان الحوار على الشكل التالي:

ماهي أهم المتغيرات التي طرأت على الأسرة المغربية خلال السنين الأخيرة؟

منذ الاستقلال، وبفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حدثت هناك مجموعة من التغييرات الجذرية التي اثرت على الأسرة المغربية، فأصبح لدينا أسر نووية تمثل أكثر ثلثي هيكلة الأسرة بالمغرب مقابل الأسر العشائرية الجامعة.
وهناك أيضا تغييرات حدثت على مستوى حجم الأسرة وتغيرات حدثت على مستوى العلاقات الأسرية الداخلية، فإذا كان الخضوع والطاعة من أهم مميزات الأسرة المغربية القديمة، كطاعة المراة لزوجها، طاعة الأبناء للوالدين، طاعة الصغير للكبير… فإن جيل الشباب اليوم أصبح يفضل التفاهم والحوار عوض الطاعة والخضوع في علاقتهم مع باقي أفراد الأسرة.
وحتى الأشخاص ما بين 40 و60 سنة، أصبحوا يبنون علاقاتهم على التفاهم والحوار. أما الرجل وفي علاقته بالمرأة فيفضل علاقة مبنية على الطاعة، أما المرأة فتفضل علاقة مبنية على الحوار والتفاهم.
ويظهر ذلك جليا اليوم، خصوصا عند اتخاذ القرار، فقديما، كان الزوج هو من يستأتر باتخاذ القرار، أما حاليا، فأصبح الزوجان يشاركان في اتخاذ القرارات خصوصا فيما يتعلق بالحياة الأسرية، منع الحمل، عند البيع والشراء.. أصبح التفاهم والحوار هو الغالب. وهذا التغيير الذي حدث على علاقة المرأة بالرجل أثر بالتأكيد على الأسرة.
وإذا كانت الأسرة في أوروبا الشمالية، هي من تغيرت أولا، ثم انعكس ذلك على المرأة، فإن العكس هو ما حدث عندنا، فخروج المرأة للعمل، التربية والثقافة… هو من ساهم في خلق التحول الأسري. فتحمل المرأة للمسؤولية خارج البيت، ومشاركتها في اتخاذ القرار سواء داخل البيت أو خارجه، كل هذه العوامل ساهمت في التأثير على الأسرة. فالمرأة العاملة النشيطة التي تساهم في الانفاق على الأسرة، ستعيد بالتأكيد تركيبة علاقتها مع زوجها.
لكن للأسف، فعمل المرأة خارج البيت، ومساهمتها في النهوض بتنمية بلدها، ووجودها الفاعل وتأثيرها المباشر في المجتمع، لم يشفع لها داخل اسرتها، إذ مازالت تتحمل المسؤولية كاملة داخل البيت وخارجه، لأن الرجل لا يتقاسم معها المهام داخل البيت ولازال يعتبر المشاركة في الاعمال المنزلية هو تنقيص من شأنه.
أعتقد أن هذه الإشكالية لم تجد حلا لحد الساعة، وما يجب فعله، هو التفكير في كيفية جعل الرجل يساعد المرأة داخل البيت.

هل اندثار قيم التضامن والتآزر والتكافل الأسري.. هو ثمن الحداثة؟

صحيح أن الوحدة والتآزر والتضامن، لم تعد قوية بالشكل الذي كانت عليه في السابق، لكن لاهذا لايعني أبدا أن الأسرة المغربية لم تعد موحدة ومتآزرة ومتضامنة، فالأسرة المغربية، هي المؤسسة الوحيدة التي يوجد بها أكبر قدر من الوحدة والتضامن ما بين الأفراد إلا أن هذه الوحدة والتضامن، كانت تتسع من قبل لتشمل جميع أفراد العائلة وليس فقط الأسرة، أما حاليا، فأصبحت تضيق لتشمل فقط الأكثر قربا.
تجدر الإشارة إلى أن مظاهر التضامن ما بين الآباء والأبناء، قلّت وتراجعت شيئا ما، إلا أنها مازالت حاضرة ولا يمكن إنكارها، فإذا سألنا أحدهم عن المؤسسة الأكثر استقرارا والتي تحضى بالكثير من الثقة، فسيجيب بالتأكيد «الاسرة»، فهي تتفوق على جميع المؤسسات الأخرى.. إذن الأسرة هي مهمة دائما وحاضرة.

هل هذه العلاقات والأواصر هي مناسباتية وتظهر فقط خلال المناسبات والأعياد الدينية؟

عند الحاجة، فالأسرة هي المنتجع الأساسي والضروري لجميع المغاربة، خصوصا إذا مرض أحد الأفراد، أو فقد عمله، أو نشب نزاع، أو كان في حاجة إلى مساعدة مادية.
ولا ننسى الدور الايجابي الذي تلعبه الأسرة في حل وتسوية النزاعات ما بين الأفراد، والكثير من المشاكل التي تمت تسويتها بفضل تدخل المرأة وواسطتها.
هذا الدور الداعم الذي تلعبه الأسرة، لا يمكن أن يكون بدون وجود فلسفلة أسرية شاملة، ولذلك يجب على الدولة أن تتدخل لمساعدة الأسرة على الاستمرار في لعب دورها الذي لعبته منذ مدة والحفاظ على دورها الداعم.

ألن يفقد المجتمع روحه بفقدان هذه المعاني والقيم المتأصلة في الهوية المغربية؟

القيم هي شيء أساسي في المجتمع، وأعتقد أن القيم هي من يصنع وحدة المجتمع، وهي من تجمع وتوحد الحياة العامة للفرد الذي يعيش في المجتمع. هي من يحدد المعايير، سلوك الأفراد، المواقف تجاه بعضنا البعض و اتجاه العالم ككل. وفقدان هذه القيم يعني فقدان جزء من هويتنا. ما يجب علينا هو أقلمة هذه القيم والمعاني مع عصرنا الحالي، لأننا لا نستطيع أن نعيش هذه القيم بنفس الطريقة التي عاش بها أجدادنا.
الآباء لهم دور مهم في تربية الأبناء، ويجب الأخذ بعين الاعتبار هويتنا الاسلامية، التي لاتعني أبدا أن نكون رجعيين، بل يجب زرع قيم الانفتاح، التسامح، الحرية، الحوار، احترام الآخر، تقبل الاختلاف مع الآخر مع الالتزام بهويتنا التاريخية وبثقافتنا المغربية التي يمثل الاسلام أحد أهم نواتها.

كعالم اجتماع، كيف تقيمون هذه الطفرات؟

المغربي لا يعيش في معزل عن العالم الخارجي، فهو منتفح بشكل ايجابي على العالم الذي يتغير، فهناك تبادل ما بين ثقافات المجتمعات الأخرى،وأصبح اليوم لديه هذه الامكانية على التعبير عن آرائه، وعن أفكاره الخاصة، وهذا شيء جد ايجابي.
من جهة ثانية، فالتضامن والتآزر المبني على الحوار واحترام الآخر والتعبير بكل حرية، هو أعمق بكثير من التضامن المبني على تسلط رب الأسرة.
أما الجوانب السلبية، فتتمثل في دخول التكنلوجيا الحديثة بيوتنا المغربية، مما أعاق عملية التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، لم تعد طريقة العيش هي نفسها التي كان عليها الامر في السابق، وهناك أيضا عامل الوقت الذي لم يعد كافيا، إذ أصبحنا مشغولين أكثر بالتفلزة، بالانترنت، بالتنقلات اليومية… كما أن القدرة التنافسية في العمل، أصبحت تحتم على الأفراد عطاء أكثر، وهذا يأثر سلبا على الوقت الذي سيخصصه هؤلاء للقضاء مع أسرهم، الوقت أصبح يضيق شيئا فشيئا، والتواصل أصبح صعيفا كما ان الزيارات واللقاءات هي أيضا قلت.

هل نستطيع أن نقول بأنه بالامس كان الأمر أفضل؟

الأسرة اليوم هي أفضل حالا من الأمس، إلا أن الناس تميل دائما الى القول بأن الأمس هو الأفضل، لأنهم يجهلون كل ذلك الماضي، وإن عرفوه حقا فسيحكمون عليه بطريقة سلبية.

أي حقوق كانت للمرأة في ظل الأسرة القديمة؟.. لا حقوق، أما الآن، فحال المرأة تطور، أصبح لديها الحق في الدراسة، في العمل، في المشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتستطيع أن تتخذ القرارات التي تهمها.
وأي حقوق كانت للطفل؟ ..لا حقوق..الآن أصبحت لديه مجموعة من الحقوق سواء داخل الأسرة أو خارجها. وهذه كلها جوانب إيجابية.
وأيضا سلطة الأب في الأسرة المغربية، وقدرته على التحكم في كل شيء، لم تكن هناك حياة خاصة بالفرد، أما الآن فالأمور تغيرت الى الأحسن.

المصدر: F.A

شارك هذه المقالة، اختر منصتك !