تطور الجمال الأنثوي: من الجسم المملوء إلى خصر الدمية

كان يا ما كان حتى كانت المرأة مرتاحة في جسمها، مستمتعة بشحمها و لحمها و تتغذى جيدا حتى تصبح جميلة في ذلك الزمان حين كان الجسم الممتلئ رمزا للجمال، كانت النساء تعد برنامجا غذائيا كاملا للاعتناء والمحافظة على بدانة أجسامها: يأخدن الفطور الأول باكرا، ثم الفطور الثاني منتصف الصباح. أما الغذاء فتليه يالضرورة قيلولة تتبعها وجبة ما بعد الزوال و ينتهي اليوم بالعشاء الذي ناذرا ما يكون خفيفا. بين وجبة وأخرى، فالجلسة لا تخلو من «صينية أتاي والشهيوات».

كانت النساء تأكل حتى تحافظ على سمنتها و يتبادلن الوصفات التي تساعد على ذلك: الخلطات المحضرة من الأعشاب التي يوصي بها العشاب أوتحضرها النساء المحنكات اللواتي يمتلكن سر الجمال. جمال كان يقاس ببياض البشرة، طول الشعر و امتلاء الجسم.
بدانة المرأة كانت ترمز للصحة الجيدة، الثراء و الإحساس المرهف، لذا فالبدانة كانت من بين الصفات التي يعتمد عليها في اختيار العروس، عكس ذلك فالمرأة الهزيلة هي تجسيد للجوع و الفقر و المرض و بالتالي فهي لن تستطيع تحمل أعباء الأعمال المنزلية و إنجاب أطفال بصحة جيدة أو حتى إرضاعهم من ثديها. أما البدينة فسمتها الأساسية هي إشباع شهوة الرجل. المجتمع لم يكن يرحم المرأة النحيفة لا بسلوكياته أو حتى بأمثلته «المْرَة الرْقيقة فيها غير العظام ، تيدقوا الراجل في النعاس» ،«الرجال كيبغيو اللحم و الكلاب العظم.

تختلف الوصفات من مجتمع إلى آخر والهدف يبقى واحدا: زيادة وزن النساء!

من أهم الوصفات التي تستعمل لزيادة الوزن تلك التي تشتهر بها جزيرة «جربه» في تونس، موريتانيا، مالي، النيجر وبعض مناطق الصحراء المغربية و هي ما يعرف ب»تسمين البنات» اللواتي يرغمن على ابتلاع كميات كبيرة من الطعام كي يزداد وزنهن وتكبر أجسامهن و يثرن انتباه الرجال فيطلبن للزواج عند البلوغ. كلما ازداد وزن البنت كلما ازدادت فرص زواجها من أسرة ميسورة. المجتمع يعطي أهمية لهذا النوع من العلاقات و يعتبر عملية «التسمين» طبيعية لكنها في الواقع عنف تمارسه الأسر على أجسام بناتها خصوصا تلك التي قد ترفض الأكل أو بالأحرى يرفض جسمها ابتلاع كميات الطعام المهولة، فهي تضرب، تكبل ويتم تقييد رجليها و جدب شعرها بقوة حتى يرجع الرأس إلى الوراء و يسهل إرغامها على بلع الطعام و إن تقيأت فالعملية تعاد من جديد حتى يستلم الجسم مما ويتسع حجم المعدة و بالتالي تعتاد على أكل كميات أكبر من الطعام مستقبلا مما يضمن زيادة وزن الفتاة بل و الحفاظ على هذا الوزن بعد بلوغ سن الرشد.
«التسمين» من بين التقاليد التي ورثتها مجموعة من المناطق الجنوبية انطلاقا من مدينة كلميم عن قبائل الرحل وما زالت تحافظ عليه.
رغم أن هذه العملية نقصت في السنوات الأخيرة إلا أنها لم تختفي تماما. فجمال المرأة في هذه المناطق يقاس بسمنتها وكبر أردافها و استدارتها. وللحفاظ على شكل الأرداف المستدير تجلس النساء بوضعية خاصة, يستلقين على الجانب ويفردن أجسامهن دون الضغط على المؤخرة أو الأرداف كي لا تتسطح و تفقد شكلها الدائري. هاته النسوة يتبعن حمية خاصة أساسها الأعشاب التي تحضرها نساء متخصصات في التسمين. كما يتم اللجوء إلى العقارات الكيميائية أو المعدة لتسمين الحيوانات المتوفرة في السوق السوداء رغم خطورتها على الصحة. كل الوسائل تبقى مقبولة بهدف اكتساب الوزن في مجتمع يقيم المرأة بوزنها فالبدانة هي خاصية الجمال التي تعطي للمرأة قيمة و تجدب الزوج.
عملية التسمين تتم من طرف أفراد العائلة لكن غالبا ما يتم اللجوء إلى نساء مختصات يجبرن الفتيات على ابتلاع الكثير من الماء و الطعام لتوسيع المعدة و تعويدها على هضم كميات كبيرة من الأكل. تستمر العملية لعشرات الأيام لا يسمح خلالها للفتيات إلا بتناول التمر، الخبز المبلل بالماء أو الزيت و شحم الجمل. كما يرغمن على شرب الكثير من الماء و الحليب ، و إن تقيأن، تعاد العملية من جديد فإما أن يستجيب الجسم أو تستمر المعاناة.

ماذا عن مقاييس الجمال الحديثة!

النساء يتحررن وينطلقن لكنهن بقين سجينات ما تمليه عليهن الموضة. معايير الجمال تطورت و أضحت النحافة رمزا لجمال المرأة في زمن تفرض فيه صناعة الألبسة الجاهزة قوانينها و تروَج لها عبر شاشات التلفاز وعلى صفحات المجلات و في عروض الأزياء حتى أصبحت «باربي» مرجع الجمال الكوني!
رغبة الرجل العصري تغيرت، لم يعد يثيرها الجسم البدين الذي كان الرجل التقليدي يحلم بالذوبان بين شحمه ولحمه، بل راح يبحث عن الجسد الرشيق، المنحوت، ذو الخصر النحيف إلا عند الأرداف و الثديين فالحجم هنا يبقى مطلوبا.
المرأة العصرية تتعرض لعنف جسدي و نفسي. تعاني من الأحكام التي يصدرها الآخرون في حقها إذا ما خانها جسمها و ازداد وزنها بضع كيلوغرامات. أما السمنة، فتعتبرها إعاقة تؤثر على حياتها و تهز ثقتها إلى حد المرض النفسي.
اقتصاد السوق استغل هذا الوضع وخلق ديناميكية متكاملة لصنع معجزة الجمال: حميات غذائية، ألآت طبية، منتجات صيدلانية وأخيرا الجراحة التَجميلية التي تنقد النساء اللواتي لا يتعايشن مع أجسادهن.

كم من الآلام و التضحيات في سبيل الجمال!

في المغرب، يصعب الحفاظ على الرشاقة مع الطبخ الدسم و المتنوع، وصفات تقليدية و أخرى أجنبية تبرع النساء في تحضيرها. الطعام ليس فقط حاجة أساسية للجسم عند المغربيات بل يدخل ضمن ثقافة الاستقبال، مهارة تتباهى بها النساء و هواية لقضاء وقت الفراغ. قلة الأنشطة الثقافية و الفنية تجعل من المطاعم الأماكن الوحيدة التي يتم اللجوء إليها للاستمتاع و الترفيه. كيف يمكن للنساء تجاوز شعور الإحباط و القمع حين تضطر إلى اجتناب هذه المتعة في سبيل الحفاظ على الرشاقة!
معظمهن يفضلن اللجوء إلى أطباء متخصصين في التغذية و يتبعن وصفات صارمة أساسها الخضروات و اللحوم و يستعان أحيانا بالأدوية. الاستشفاء الذاتي يبقى سائدا رغم خطورته من أجل الحصول على قامة «باربي» التي تضل غير مضمونة مدى الحياة لأن الكيلوغرامات تتربص بالنساء وتنتظر أي تخاذل من جانبهن لتهجم من جديد. الحفاظ على الوزن يتحول إلى كابوس و هاجس نفسي يفسدان لذة الحياة.
الخوف من اكتساب الوزن يعتبر عنفا نفسيا قد يتحول ليصبح مرضا عندما تصاب النساء بفقدان الشهية ويتحولن إلى هياكل العظمية. مرض تتعرض له بالخصوص عارضات الأزياء و قد أثار نقاشا كبيرا أدان مصمَمي الأزياء الذين يفرضون هذه المقاييس مما جعل بعضهم يستبدل العارضات مقاس 34 بعارضات مقاساتهن واقعية و معقولة ك 38، 40، 42 و حتى 44 ليحرروا النساء من وهم الجسم المثالي الذي يصعب الحصول عليه.
اليوم لم تعد لنساء المعنيات الوحيدات بالمقاييس و الأجسام المثالية. فالعدوى أصابت الرجال الذين بدؤوا يسعون وراء الجمال الجسدي. في الماضي كان « الراجل ما يتْعابش، زين و لاَ خايب، راجل!» فالفحولة كانت هي المقياس. أما اليوم فالنساء يبحثن عن الرجل الجميل الذي ذاق من نفس كأس الألم و الحرمان و التضحية التي عانتها النساء لقرون. أصبح هو كذلك يبدل الجهود للحفاظ على الرشاقة و الحصول على العضلات المفتولة.
أخيرا تحققت العدالة!
مقاييس الجمال أصبحت كونية دون أي اختلاف بين المجتمعات
سيدة الموضة بقامتها الممشوقة و جسدها الرشيق هي النموذج العالمي الذي تسعى النساء وراءه في كل وقت وأي سن. الحفاظ على جمال الجسم مهم دون أن يصبح محور حياة الإنسان.

المصدر: F.A

شارك هذه المقالة، اختر منصتك !